الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
انتهى.وقال مكي أصل أحد وأحد فأبدلوا الواو همزة فاجتمع ألفان لأن الهمزة تشبه الألف فحذفت أحداهما تخفيفًا وفرق ثعلب بين أحد ووأحد بأن أحدا لا يبني عليه العدد ابتداء فلا يقال أحد واثنان كما يقال وأحد واثنان ولا يقال رجل أحد كما يقال رجل واحد ولذلك اختص به سبحانه وفرق بعضهم بينهما أيضًا بأن الأحد في النفس نص في العموم بخلاف الواحد فإنه محتمل للعموم وغيره فيقال ما في الدار أحد ولا يقال بأن اثنان ويجوز أن يقال ما في الدار وأحد بل اثنان ونقل عن بعض الحنفية أنه قال في التفرقة بينهما أن الأحدية لا تحتمل الجزئية والعددية بحال والواحدية تحتملها لأنه يقال مائة واحدة وألف وأحد ولا يقال مائة أحد ولا ألف أحد وبنى على ذلك مسألة الإمام محمد بن الحسن التي ذكرها في (الجامع الكبير) إذا كان لرجل أربع نسوة فقال والله لا أقرب واحدة منكن صار موليًا منهن جميعًا ولم يجز أن يقرب واحدة منهن إلا بكفارة ولو قال والله لا أقرب أحداكن لم يصر موليًا إلا من أحداهن والبيان إليه وفرق الخطابي بأن الأحدية لتفرد الذات والواحدية لنفي المشاركة في الصفات ونقل عن المحققين التفرقة بعكس ذلك ولما لم ينفك في شأنه تعالى أحد الأمرين من الآخر قيل الواحد الأحد في حكم اسم وأحد وفسر الأحد هنا ابن عباس وأبو عبيدة كما قال ابن الجوزي بالواحد وأيد بقراءة الأعمش {قُلْ هُوَ الله} الواحد وفسر بما لا يتجزأ ولا ينقسم وقال بعض الأجلة أن الواحد مقول على ما تحته بالتشكيك فالمراد به هنا حيث أطلق المتصف بالواحدية التي لا يمكن أن يكون أزيد منها ولا أكمل فهو ما يكون منزه الذات عن أنحاء التركيب والتعدد خارجًا وذهنًا وما يستلزم أحدهما كالجسمية والتحيز والمشاركة في الحقيقة وخواصها كوجوب الوجود والقدرة الذاتية والحكمة التامة المقتضية للألوهية وهو مأخوذ من كلام الرئيس أبي علي بن سينا في تفسيره السورة الجليلة حيث قال إن أحدا دال على أنه تعالى واحد من جميع الوجوه وأنه لا كثرة هناك أصلًا لا كثرة معنوية وهي كثرة المقومات والأجناس والفصول وكثرة الأجزاء الخارجية المتمايزة عقلًا كما في المادة والصورة والكثرة الحسية بالقوة أو بالفعل كما في الجسم وذلك يتضمن لكونه سبحانه: منزهًا عن الجنس والفصل والمادة والصورة والأعراض والأبعاض والأعضاء والأشكال والألوان وسائر ما يثلم الوحدة الكاملة والبساطة الحقة اللائقة بكرم وجهه عز وجل عن أن يشبهه شيء أو يساويه سبحانه شيء وقال ابن عقيل الحنبلي الذي يصح لنا من القول مع إثبات الفات أنه تعالى وأحد في إلهيته لا غير وقال غيره من السلفيين كالحافظ ابن رجب هو سبحانه الواحد في إلهيته وربوبيته فلا معبود ولا رب سواه عز وجل واختار بعد وصفه تعالى بما ورد له سبحانه من الصفات أن المراد الواحدية الكاملة وذلك على الوحهين كون الضمير للشأن وكونه للمسؤول عنه ولا يصح أن يراد الواحد بالعدد أصلًا إذ يخلو الكلام عليه من الفائدة وذكر بعضهم أن الاسم الجليل يدل على جميع صفات الكمال وهي الصفات الثبوتية ويقال لها صفات الإكرام أيضًا والأحد يدل على جميع صفات الجلال وهي الصفات السلبية ويتضمن الكلام على كونهما خبرين الأخبار بكون المسؤول عنه متصفًا بجميع الصفات الجلالية والكمالية وتعقب بأن الإلهية جامعة لجميع ذلك بل كل واحد من الأسماء الحسنى كذلك لأن الهوية الإلهية لا يمكن التعبير عنها لجلالتها وعظمتها إلا بأنه هو هو وشرح تلك الهوية بلوازم منها ثبوتية ومنها سلبية واسم الله تعالى متناول لهما جميعًا فهو إشارة إلى هويته تعالى والله سبحانه كالتعريف لها فلذا عقب به وكلام الرئيس ينادي بذلك وسنشير إليه إن شاء الله تعالى وقرأ عبد الله وأبي هو الله أحد بغير قل وقد اتفقوا على أنه لابد منها في {قُلْ يا أهل أَيُّهَا الكافرون} [الكافرون: 1] ولا تجوز في {تبت} فقيل لعل ذلك لأن سورة الكافرين مشاقة الرسول صلى الله عليه وسلم أو موادعته عليه الصلاة والسلام لهم ومثل ذلك يناسب أن يكون من الله تعالى لأنه صلى الله عليه وسلم مأمور بالإنذار والجهاد وسورة تبت معاتبة لأبي لهب والنبي عليه الصلاة والسلام على خلق عظيم وأديب جسيم فلو أمر بذلك لزم مواجهته به وهو عمه صلى الله عليه وسلم وهذه السورة توحيد وهو يناسب أن يقول به تارة ويؤمر بأن يدعو إليه أخرى وقيل في وجه قل في سورة الكافرون أن فيها ما لا يصح أن يكون من الله تعالى ك {لا أعبد ما تعبدون} [الكافرونك2] فلابد فيها من ذكر قل وفيه نظر لأنه لا يلزم ذكره بهذا اللفظ فافهم وقال الدواني في وجه ترك قل في تبت لا يبعد أن يقال أن القول بمعاتبة أبي لهب إذا كان من الله تعالى كان أدخل في زجره وتفضيحه وقيل فيه رمز إلى أنه لكونه على العلات عمه صلى الله عليه وسلم لا ينبغي أن يهينه بمثل هذا الكلام إلا الذي خلقه إذ لا يبعد أن يتأذى مسلم من أقاربه لو سبه أحد غيره عز وجل فقد أخرج ابن أبي الدنيا وابن عساكر عن جعفر بن محمد عن أبيه رضي الله تعالى عنهما قال مرت درة ابنة أبي لهب برجل فقال هذه ابنة عدو الله أبي لهب فأقبلت عليه فقالت ذكر الله تعالى أبي بنباهته وشرفه وترك أباك بجهالته ثم ذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فخطب فقال: «لا يؤذين مسلم بكافر» ثم إن إثبات قل على قراءة الجمهور في المصحف والتزام قراءتها في هذه السورة ونظائرها مع أنه ليس من دأب المأمور بقل إن يتلفظ في مقام الائتمار إلا بالمقول قال الماتريدي في التأويلات لأن المأمور ليس المخاطب به فقط بل كل أحد ابتلى بما ابتلى به المأمور فأثبت ليبقى على مر الدهور منا على العباد وقيل يمكن أن يقال المخاطب بقل نفس التالي كأنه تعالى أعلم به أن كل أحد عند مقام هذا المضمون ينبغي أن يأمر نفسه بالقول به وعدم التجاوز عنه فتأمل والله تعالى الموفق.وقوله تعالى: {الله الصمد} مبتدأ وخبر وقيل {الصمت} نعت والخبر ما بعده وليس بشيء.و{الصمد} قال ابن الأنباري لا خلاف بين أهل اللغة أنه السيد الذي ليس فوقه أحد الذي يصمد إليه الناس في حوائجهم وأمورهم وقال الزجاج هو الذي ينتهي إليه السودد ويصمد إليه أي يقصد كل شيء وأنشدوا: وقوله: وعن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس أنه قال هو السيد الذي قد كمل في سودده والشريف الذي قد كمل في شرفه والعظيم الذي قد كمل في عظمته والحليم الذي قد كمل في حلمه والعليم الذي قد كمل في علمه والحكيم الذي قد كمل في حكمته وهو الذي قد كمل في أنواع الشرف والسودد وعن أبي هريرة هو المستغني عن كل أحد المحتاج إليه كل أحد وعن ابن جبير هو الكامل في جميع صفاته وأفعاله وعن الربيع هو الذي لا تعتريه الآفات وعن مقاتل بن حيان هو الذي لا عيب فيه وعن قتادة هو الباقي بعد خلقه ونحوه قول معمر هو الدائم وقول مرة الهمداني هو الذي يبلي ولا يفني وعنه أيضًا هو الذي يحكم ما يريد ويفعل ما يشاء لا معقب لحكمه ولأراد لقضائه وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال لا أعلمه إلا قد رفعه قال الصمد الذي لا جوف له وروى عن الحسن ومجاهد ومنه قوله: وعن أبي عبد الرحمن السلمي عن ابن مسعود قال: {الصمد} الذي ليس له أحشاء وهو رواية عن ابن عباس وعكرمة هو الذي لا يطعم وفي رواية أخرى الذي لم يخرج منه شيء وعن الشعبي هو الذي لا يأكل ولا يشرب وعن طائفة منهم أبي بن كعب والربيع بن أنس أنه الذي لم يلد ولم يولد كأنهم جعلوا ما بعده تفسيرًا له والمعول عليه تفسيرًا بالسيد الذي يصمد إليه الخلق في الحوائج والمطالب وتفسيره بالذي لا جوف له وما عداهما إما راجع إليهما أو هو مما لا تساعد عليه اللغة وجعل معنى كونه تعالى سيدًا أنه مبدأ الكل وفي معناه تفسيره بالغنى المطلق المحتاج إليه ما سواه وقال يحتمل أن يكون كلا المعنيين مرادًا فيكون وصفًا له تعالى بمجموع السلب والإيجاب وهو ظاهر في جواز استعمال المشترك في كلا معنييه كما ذهب إليه الشافعي والذي اختاره تفسيره بالسيد الذي يصمد إليه الخلق وهو فعل بمعنى مفعول من صمد بمعنى قصد فيتعدى بنفسه وباللام وإطلاق الصمد بمعنى السيد عليه تعالى مما لا خلاف فيه وإن كان في إطلاق السيد نفسه خلاف والصحيح إطلاقه عليه عز وجل كما في الحديث السيد الله وقال السهيلي لا يطلق عليه تعالى مضافًا فلا يقال سيد الملائكة والناس مثلًا وقصد الخلق إياه تعالى بالحوائج أعم من القصد الإرادي والقصد الطبيعي والقصد بحسب الاستعداد الأصلي الثابت لجميع الماهيات إذ هي كلها متوجهة إلى المبدأ تعالى في طلب كمالاتها منه عز وجل وتعريفه دون {أحد} قيل لعلمهم بصمديته تعالى دون أحديته وتعقب بأنه لا يخلو عن كدر لأن علم المخاطب بمضمون الخبر لا يقتضي تعريفه بل إنما يقتضي أن لا يلقى إليه إلا بعد تنزيله منزلة الجاهل لأن إفادة لازم فائدة الخبر بمعزل عن هذا المقام فالأولى أن يقال إن التعريف لإفادة الحصر كقولك زيد الرجل ولا حاجة إليه في الجملة السابقة بناء على أن مفهوم أحد المنزه عن أنحاء التركيب والتعدد مطلقًا إلى آخر ما تقدم مع أنهم لا يعرفون أحديته تعالى ولايعترفون بها واعترض بأنه يقتضي أن الخبر إذا كان معلومًا للمخاطب لا يخبر به إلا بتنزيله منزلة الجاهل أو إفادته لازم فائدة الخبر أو إذا قصد الحصر وهو ينافي معلومًا للمخاطب لا يخبر به إلا بتنزيله منزلة الجاهل أو إفادته لازم فائدة الخبر أو إذا قصد الحصر وهو ينافي ما تقرر في المكعاني من أن كون المبتدا والخبر معلومين لا ينافي كون الكلام مفيدًا للسامع فائدة مجهولة لأن ما يستفيده السامع من الكلام هو انتساب أحدهما للآخر وكونه هو هو فيجوز أن يقال هنا إنهم يعرفونه تعالى بوجه ما ويعرفون معنى المقصود سواء كان هو الله سبحانه أو غيره عندهم ولكن لا يعرفون أنه هو سواء كان بمعنى الفرد الكامل أو الجنس فعينه الله تعالى لهم وقيل إن أحد في غير النفي والعدد لا يطلق على غيره تعالى فلم يحتج إلى تعريفه بخلاف الصمد فإنه جاء في كلامهم إطلاقه على غيره عز وجل أي كما في البيتين السابقين فلذا عرف وتكرر الاسم الجليل دون الإتيان بالضمير قيل للاشعار بأن من لم يتصف بالصمدية لم يستحق الألوهية وذلك على ما صرح به الدواني مأخوذ من إفادة تعريف الجزأين الحصر فإذا قلت السلطان العادل أشعر بأن من لم يتصف بالعدل لم يستحق السلطنة وقيل ذلك لأن تعليق الصمد بالله يشعر بعلية الألوهية للصمدية بناء على أنه في الأصل صفة وإذا كانت الصمدية نتيجة للألوهية لم يستحق الألوهية من لم يتصف بها وبحث فيه بأن الألوهية فيما يظهر للصمدية لأنه إنما يعبد لكونه محتاجًا إليه دون العكس إلا أن يقال المراد بالألوهية مبدؤها وما تترتب عليه لا كونه معبودًا بالفعل وإنما لم يكتف بمسند إليه وأحد لأحد والصمد هو الاسم الجليل بأن يقال الله الأحد الصمد للتنبيه على أن كلا من الوصفين مستقل في تعيين الذات وترك العاطف في الجملة المذكورة لأنها كالدليل عليه فإن من كان غنيًا لذاته محتاجًا إليه جميع ما سواه لا يكون إلا واحد أو ما سواه لا يكون إلا ممكنًا محتاجًا إليه أو لأنها كالنتيجة لذلك بناء على أن الأحدية تستلزم الصمدية والغنى المطلق وبالجملة هذه الجملة من وجه تشبه الدليل ومن وجه تشبه النتيجة فهي مستأنفة أو مؤكدة وقرأ أبان بن عثمان وزيد بن علي ونصر بن عاصم وابن سيرين والحسن وابن أبي إسحاق وأبو السمال وأبو عمر وفي رواية يونس ومحبوب والأصمعي واللؤلؤي وعبيد أحد الله بحذف التنوين لالتقائه مع لام التعريف وهو موجود في كلام العرب وأكثر ما يوجد في الشعر كقول أبي الأسود الدؤلي: وقول الآخر: والجيد هو التنوين وكسره لالتقاء الساكنين وقوله تعالى:{لَمْ يَلِدْ} إلخ على نحو ما سبق ونفى ذلك عنه تعالى لأن الولادة تقتضي انفصال مادة منه سبحانه وذلك يقتضي التركيب المنافي للصمدية والأحدية أو لأن الولد من جنس أبيه ولا يجانسه تعالى أحد لأنه سبحانه واجب وغيره ممكن ولأن الولد على ما قيل يطلبه العاقل إما لإعانته أو ليخلفه بعده وهو سبحانه دائم باق غير محتاج إلى شيء من ذلك والاقتصار على الماضي دون أن يقال لن يلد لوروده ردًا على من قال إن الملائكة بنات الله سبحانه، أو المسيح ابن الله تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا ويجوز أن يكون المراد استمرار النفي وعبر بالماضي لمشاكلة قوله تعالى: {وَلَمْ يُولد} وهو لابد أن يكون بصيغة الماضي ونفى المولودية عنه سبحانه لاقتضائها المادة، فيلزم التركيب المنافي للغنى المطلق والأحدية الحقيقية أو لاقتضائها سبق العدم ولو بالذات أولاقتضائها المجانسة المستحيلة على واجب الوجود وقدم نفي الولادة لأنه الأهم لأن طائفة من الكفار توهموا خلافه بخلاف نفي المولودية أو لكثرة متوهمي خلاف الأول دون خلاف الثاني بناء على أن النصارى يلزمهم بواسطة دعوى الاتحاد القول بالولادة والمولودية فيمن يعتقدونه إلهًا وذلك على ما تضمنته كتبهم أنهم يقولون الأب هو الأقنوم الأول من الثالوث والابن هو الثاني الصادر منه صدورًا أزليًا مساويًا بالأزلية له وروح القدس هو الثالث الصادر عنهماكذلك والطبيعة الإلهية واحدة وهي لكل من الثلاثة وكل منها متحد معها ومع ذلك هم ثلاثة جواهر لا جوهر وأحد فالأب ليس هو الابن والابن ليس هو الأب وروح القدس ليس هو الأب ولا الابن وهما ليسا روح القدس ومع ذا هم إله وأحد إذ لهم لاهوت وأحد وطبيعة واحدة وجوه روأحد وكل منهم متحد مع اللاهون وإن كان بينهم تمايز والأول هو الوجود الواجد الجوهري والثاني هو العقل الجوهري ويقال له العلم والثالث هو الإدارة الجوهرية ويقال لها المحبة فالله ثلاثة أقانيم جوهرية وهي على تمايزها تمايزًا حقيقيًا وقد يطلقون عليه إضافيًا أي بإضافة بعضها إلى بعض جوهر وطبيعة واحدة هو الله وليس يوجد فيه غيره بل كل ما هو داخل فيه عين ذاته ويقولون إن فيه تعالى عما يقولون أربع إضافات أولاها فاعلية التعقيل في الأقنوم الأول ثانيتها مفعولية التعقل في الأقنوم الثاني الذي هو صورة عقل الأب ثالثتها فاعلية الانبثاق في الأقنوم الأول والثاني اللذين لهما الإرادة رابعتها مفعولية هذا الانبثاق في الأقنوم الثالث الذي هو حب الإرادة الإلهية التي للاقنوم الأول والثاني وزعموا أن التعبير بالفاعلية والمفعولية في الأقانيم الإلهية على سبيل التوسع وليست الفاعلية في الأب نحو الابن إلا الأبوة وفيه وفي الابن نحو روح القدس ليست إلا بدء صدوره منهما وليست المفعولية في الابن وروح القدس إلا البنوة في الابن والانبثاق في الروح ويقولون كل ذلك مما يجب الايمان به وإن كان فوق الطور البشري ويزعمون أن لتلك الأقانيم أسماء تلقوها من الحواريين فالأقنوم الأول في الطبع الإلهي يدعى أبًا والثاني ابنًا وكلمة وحكمة ونورًا وضياء وشعاعًا والثالث روح القدس ومغريًا وهو معنى قولهم باليونانية اراكليط وقالوا في بيان وجه الإطلاق إن ذلك لأن الأقنوم الأول بمنزلة ينبوع ومبدأ أعطى الأقنوم الثاني الصادر عنه بفعل يقتضي شبه فاعله وهو فعل العقل طبيعته وجوهره كله حتى إن الأقنوم الثاني الذي هو صورة الأول الجوهرية الإلهية مساو له كمال المساواة وحد الإيلاد هو صدور حي من حي بآلة ومبدا مقارن يقتضي شبه طبيعته وهنا كذلك بل أبلغ لأن للثاني الطبيعية الإلهية نفسها فلا بدع إذا سمي الأول أبا والثاني ابنًا وإنما قيل للثاني كلمة لأن الإيلاد ليس على نحو إيلاد الحيوان والنبات بل يفعل العقل أي يتصور الأب لاهوته وفهمه ذاته ولا شك أن تلك الصورة كلمة لأنها مفهومية العقل ونطقه وقيل لها حكمة لأنه كان مولودًا من الأب بفعل عقله الإلهي الذي هو حكمة وقيل له نور وشعاع وضياء لأنه حيث كان حكمة كان به معرفة حقائق الأشياء وانكشافها كالمذكورات وقيل للثالث روح قدس لأنه صادر من الأب والابن بفعل الإرادة التي هي واحدة للأب والابن ومنبثق منهما بفعل كهيجان الإرادة بالحب نحو محبوبها فهو حب الله والله نفسه هو الروح الصرف والتقدس عينه ولكل من الأول والثاني وجه لأن يدعي روحًا لمكان الاتحاد لكن لما دعى الأول باسم يدل على رتبته وإضافته إلى الثاني والثاني كذلك اختص الثالث بالاسم المشاع ولم يدع ابنًا وإن كان له طبيعة الأب وجوهره كالابن لأنه لم يصدر من الأب بفعل يقتضي شبه فاعله يعني بفعل القعل بل صدر منه فعل الإرادة فالثاني من الأول كهابيل من آدم والثالث كحواء منه والكل حقيقة واحدة لكن يقال لهابيل ابن ولا يقال لها بنت وقيل له مغزى لأنه كان عتيدًا لأن يأتي الحواريين فيغريهم لفقد المسيح عليه السلام وأما الفاعلية والمفعولية فلأنهما غير موجودين حقيقة والأبوة والبنوة هاهنا لا تقتضيهما كما في المحدثات ولذا لا يقال هنا للأب علة وسبب لابنه وإن قيل هناك فالثلاثة متساوية في الجوهر والذات واستحقاق العبادة والفضل من كل وجه ثم أنهم زعموا تسجد الأقنوم الثاني وهو الكلمة واتحاده بأشرف أجزاء البتول من الدم بقوة روح القدس فكان المسيح عليه السلام المركب من الناسوت والكلمة والكلمة مع اتحادهما لم تخرج عن بساطتها ولم تتغير لأنها الحد الذي ينتهي إليه الاتحاد فلا مانع في جهتها من الاتحاد وكذا لا مانع في جانب الناسوت منه فلا يتعاصى الله تعالى شيء زعموا أن المسيح عليه السلام كان إلهًا تامًا وإنسانًا تامًا ذا طبيعتين ومشيئتين قائمتين باقنوم إلهي وهو اقنوم الكلمة ومن ثم تحمل عليه الصفات الإلهية والبشرية معًا لكن من حيثيتين ثم إنهم زادوا في الطنبور رنة وقالوا إن المسيح أطعم يومًا الحواريين خبزًا وسقاهم خمرًا، فقال أكلتم لحمي وشربتم دمي فاتحدتم معي وأنا متحد مع الأب إلى رنات أخر هي أشهر من أن تذكر ويعلم مما ذكرنا أنه لا فرق عندهم بين أن يقال إن الله تعالى هو المسيح وبين أن يقال أن المسيح ابنه وبين أن يقال إنه سبحانه ثالث ثلاثة ولذا جاء في التنزيل كل من هذه الأقوال منسوبًا إليهم ولا حاجة إلى جعل كل قول لقوم منهم كما قال غير واحد من المفسرين والمتكلمين ثم لا يخفى منافاة ما ذكروه للأحدية والصمدية وقولهم إن الأقانيم مع كونها ثلاث جواهر متمايزة تمايزًا حقيقيًا جوهر وأحد لبداهة بطلانه لا يسمن ولا يغنى وما يذكرونه من المثال لإيضاح ذلك فهو عن الإيضاح بمعزل وبعيد عن المقصود بألف ألف منزل وكنا ذكرنا في ضمن هذا الكتاب ما يتعلق ببعض عقائدهم مع رده إلا أنه كان قبل النظر في كتبهم وقد اعتمدنا فيه ما ذكره المتكلمون عنهم واليوم لنا عزم على تأليف رسالة تتضمن تحرير اعتقاداتهم في الواجب تعالى وذكر شبههم العقلية والنقلية التي يستندون إليها ويعولون في التثليث عليها حسبما وقفنا عليه في كتبهم مع ردها على أكمل وجه إن شاء الله تعالى ونسأل الله تعالى التوفيق لذلك وأن يسلك سبحانه بنا في جميع أمورنا أقوم المسالك فهو سبحانه الجواد الأجود الذي لم يجبه من توجه إليه بالرد.{وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُوًا أحد}أي لم يكافئه أحد ولم يماثله ولم يشاكله من صاحبة وغيرها وقيل هو نفي للكفاءة المعتبرة بين الأزواج وهو كما ترى وله صلة كفوا على ما ذهب إليه المبرد وغيره والأصل أن يؤخر إلا أنه قدم للاهتمام لأن المقصود نفي المكافاة عن ذاته عز وجل وللاهتمام أيضًا قدم الخبر مع ما فيه من رعاية الفواصل قيل له إن الظرف هنا وإن لم يكن خيرًا مبطل سقوطه معنى لكلام لأنك لو قلت لم يكن كفوًا أحد لم يكن له معنى فلما احتيج إليه صار بمنزلة الخبر فحسن ذلك وقال أبو حيان كلام سيبويه في الظرف الذي يصلح أن يكون خبرًا وهو الظرف التام وما هنا ليس كذلك وقال ابن الحاجب قدم الظرف للفواصل ورعايتها ولم يقدم على أحد لئلا يفصل بين المبتدا وخبره وفيه نظر ظاهر وجوز أن يكون الظرف حالًا من أحد قدم عليه رعاية للفاصلة ولئلا يلتبس بالصفة أو الصلة وأن يكون خبرًا ليكن ويكون كفوًا حالًا من أحد قدم عليه لكونه نكرة أو حالًا من الضمير في الظرف الواقع خبرًا وهذا الوجه نقله أبو على في الحجة عن بعض النحاة ورد بأنه كما سمعت آنفًا عن أبي حيان ظرف ناقص لا يصح أن يكون خبرًا فإن قدر له متعلق خاص وهو مماثل ونحوه مما تتم به الفائدة يكون كفوًا زائدًا ولعل وقوع الجمل الثلاث متعاطفة دون ماعداها من هذه السورة لأنها سيقت لمعنى وغرض وأحد وهو نفي المماثلة والمناسبة عنه تعالى بوجه من الوجوه وما تضمنته أقسامها لأن المماثل إما ولد أو والد أو نظير غيرهما فلتغاير الأقسام واجتماعها في المقسم لزم العطف فيها بالواو كما هو مقتضى قواعد المعاني وفي كفوًا لغات ضم الكاف وكسرها وفتحها مع سكون الفاء وضم الكاف مع ضم الفاء وقراءة حمزة ويعقوب ونافع في رواية كفؤا بالهمز والتخفيف وحفص بالحركة وإبدال الهمزة واوًا وباقي السبعة بالحركة مهموزًا وسهل الهمزة الأعرج وأبو جعفر وشيبة ونافع في رواية وفي أخرى عنه كفى من غير همز نقل حركة الهمزة إلى الفاء وحذف الهمزة وقرأ سليمان بن علي بن عبد الله بن عباس كفاء بكسر الكاف وفتح الفاء والمد كما في قول النابغة: أي لا مثل له كما قال الأعلم وهذه السورة الجليلة قد انطوت مع تقارب قطرها على أشتات المعارف الإلهية والعقائد الإسلامية ولذا جاء فيها ما جاء من الأخبار وورد ما ورد من الآثار ودل على تحقيق معنى الآلهة بالصمدية التي معناها وجوب الوجود أو المبدئية لوجود كل ما عداه من الموجودات تم عقب ذلك ببيان أنه لا يتولد عنه غيره لأنه غير متولد عن غيره وبين أنه تعالى وإن كان إلهًا لجميع الموجودات فياضًا للوجود عليها فلا يجوز أن يفيض الوجود على مثله كما لم يكن وجوده من غيره ثم عقب ذلك ببيان أنه ليس في الوجود ما يساويه في قوة الوجود فمن أول السورة إلى {الصمد} في بيان ماهيته تعالى ولوازم ماهيته ووحدة حقيقته وإنه غير مركب أصلًا ومن قوله تعالى لم يلد إلى أحد في بيان أنه ليس ما يساويه من نوعه ولا من جنسه لا بأن يكون سبحانه متولدا ولا بأن يكون متولدا عنه ولا بأن يكون موازي في الوجود وبهذا المبلغ يحصل تمام معرفة ذاته عز وجل انتهى وأشار فيه إلى أن ولم يولد كالتعليل لما قبله وكأن قد قال قبل إن كل ما كان ماديًا أو كان له علاقة بالمادة يكون متولدا عن غيره فيصير تقدير الكلام لم يلد لأنه لم يتولد والإشارة إلى دليله فهو أول السورة فإنه لما لم يكن له ماهية واعتبار سوى أنه هو لذاته وجب أن لا يكون متولدا عن غيره إلا لكانت هويته مستفادة عن غيره فلا يكون هو لذاته وظاهر العطف يقتضي عدم اعتبار ما أشار إليه من العلية وقد علمت فيما سبق وجه ذكره وجعل بعضهم العطف فيه قريبًا من عطف لا يستقدمون على {لا يستأخرون} [الأعراف: 34] وأشار بعض السلف إلى أن ذكر ذلك لأنه جاء في سبب النزول أنهم سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه سبحانه من أي شيء هو أمن كذا أم من كذا وممن ورث الدنيا ولمن يورثها وقال الإمام أن هو الله أحد ثلاثة ألفاظ وكل واحد منها إشارة إلى مقام من مقامات الطالبين فالمقام الأول مقام المقربين وهو أعلى مقامات السائرين إلى الله تعالى وهؤلاء نظروا بعيون عقولهم إلى ماهيات الأشياء وحقائقها من حيث هي فما رأوا موجودًا سوى الحق لأنه الذي يجب وجوده لذاته وما عداه ممكن لذاته فهو من حيث ذاته ليس فقالوا هو إشارة إلى الحق إذ ليس هناك في نظرهم موجود يرجع إليه سواه عز وجل ليحتاج إلى التمييز والمقام الثاني لأصحاب اليمين وهؤلاء شاهدوا الحق سبحانه موجودًا وكذا شاهدوا الخلق فحصلت كثرة في الموجودات في نظرهم فلم يكن هو كافيًا في الإشارة إلى الحق بل لابد من مميز فاحتاجوا إلى أن يقرنوا لفظة الله بلفظ فقيل لأجلهم هو الله والمقام الثالث مقام أصحاب الشمال الذين يجوزون أن يكون واجب الوجود أكثر من وأحد والإله كذلك فجيء بأحد ردًا عليهم وإبطالًا لمقالتهم انتهى وبعض الصوفية عد لفظة هو من عداد الأسماء الحسنى بل قال إن هاء الغيبة هي اسمه تعالى الحقيقي لدلالته على الهوية المطلقة مع كونه من ضروريات التنفس الذي به بقاء حياة النفس وإشعار رسمه بالإحاطة ومرتبته من العدد إلى دوامه وعدم فنائه ونقل الدواني عن الإمام أنه قال علمني بعض المشايخ يا هو يا من هو يا من لا إله إلا هو وعلى ذلك اعتقاد أكثر المشايخ اليوم ولم يرد ذلك في الأخبار المقبولة عند المحدثين والله تعالى أعلم. اهـ.
|